عن هيئة المصالحة وجليد الأحقاد
الإعلان عن هيئة للتشاور والمصالحة يعني الكثير لليمنيين والنخب الحاكمة ونعتقد أن عملها ينبغي أن يتوجه أولا للمصالحة الحقيقية بين القوى والمكونات التي تتوحد الآن تحت مظلة مجلس القيادة الرئاسي لتكريس اجتماعاتهم وقراراتهم التوافقية ووقوفهم أمام كاميرات التصوير إلى مصالحة عملية في الميدان على مستوى المصالح المتداخلة بينهم وعلى مستوى الجبهات وعلى مستوى الخطاب الإعلامي.
هناك الطبقات السميكة من الجليد والأحقاد على السلطة في السابق كان لها المفعول الكبير لإيصال البلاد إلى ما وصلت إليه حد فقدان الدولة التي كان يستظل الجميع تحتها.
فينبغي أيضا إزالة كل ما حصل من أخطاء ونتائجها ومنها معالجة آثار حرب عام1994 م وتغيير الصورة الذهنية عن بعضنا البعض والتركيز على المنافع الاقتصادية الناجمة عن توسيع رقعة اليمن ومعالجة المظلومات المحلية مثل المظلومية التهامية وبحث علاقة المركز مع المحافظات وأسلوب ونسب توزيع المشاريع والثروات القومية السيادية بحيث يتم عقد ورش عمل في كل المحافظات بهذا الشان لحصول القناعة مابين الأطراف والمركز من خلال المكاشفة في طريقة توزيع الدخل المحلي والدخل القومي وصلاحية المحافظة ونسبة سيطرتها على مواردها .
وانطلاقا من المثل القائل لا مصالحة إلا بالمصارحة فإن اختيار مسؤولين يتسمون بالوضوح والشفافية والبعد عن الدبلوماسية الغامضة في مناقشة القضايا الخلافية في اساليب الحكم والوصول إلى العدالة الانتقالية وليست الانتقامية هو الكفيل بتحقيق لجان المصالحة أهدافها في المرحلة الأولى من عملها.
ثم تبدأ المرحلة الثانية وهي استكشاف إلى أي مدى يستطيع قيادة وعناصر جماعة الحوثي العقائديين والتابعين والمتعاطفين معهم سلاليا أن يقبلوا بالتعايش مع سائر المجتمع اليمني الذي يشكل أغلبية بينما جماعة الحوثي هي أقلية، وهل تقبل هذه الجماعة بالتعايش لا سيما هناك تجارب مؤلمة معها في فترة ما بعد حرب الجمهورية والإمامية والتي انتهت بمصالحة شاملة لتقاسم الحكم مع الجمهوريين في عام 1970 م من القرن الماضي.
والتجربة الأخرى في الحوار الوطني الذي جلب الجماعة من الجبال والجحور والتمرد على الدولة والشعب ومن المتارس والانعزال الطائفي إلى قاعات الحوار الوطني الذي استمر نحو عام وفي نهاية المطاف لم تستطع جماعة الحوثي التعايش مع الأطراف اليمنية وانقلبت على الدستور الاتحادي وخطفت أمين الحوار أحمد بن مبارك ومزقت تلك الوثيقة الجامعة واغتالت أحمد شرف الدين وعبد الكريم جدبان بتوجيهات من طهران.
فنرى من هذا الطرح التسلسلي للأحداث والكوارث السياسية والعسكرية اليمنية صعوبة عمل الهيئة العليا اليمنية للمصالحة التي لا تعني إخضاع أطراف أخرى بقدر ما هو إقناعها بحجم تمثيلها في المجتمع اليمني حتى لا تغتر وتذهب إلى استخدام القوة العسكرية لمد كيان طائفتها زيادة عن حجمها سواء بخطف مؤسسات الدولة أو القدرة الشعبية على الحشد والتجييش خاصة وان المجتمع اليمني قد جرب طريقة الحشود الغفيرة في فترة ما بعد عام 2011 م من خلال الاستعراض والحشود الشعبية سواء في ميدان السبعين أو في شارع الستين ولم تكن تلك الطريقة قدرة على اقناع الشعب اليمني ولا العالم بالحجم الكبير والأغلبية لأي من الأطراف المتخاصمة على كرسي حكم اليمن