الحديدة

محمد الجنيد: صحفي من تهامة يروي تفاصيل اختطافه من قبل الحوثيين والتعذيب الوحشي الذي تعرض له

في مقابلة صحفية حصرية مع الزميل الصحفي أحمد حوذان، يسرد الصحفي المحرر محمد الجنيد، الذي يُعتبر واحداً من أبرز الأصوات في منطقة تهامة، تفاصيل اختطافه على يد مليشيا الحوثي المدعومة من إيران في 13 نوفمبر 2018.

تنطوي قصته على شجاعة كبيرة في مواجهة تحديات غير مسبوقة تتعلق بحرية الصحافة وحقوق الإنسان، مما يسلط الضوء على الوضع الراهن للصحفيين في مناطق الحوثي.

ولد محمد علي الجنيد في مديرية الخوخة بمحافظة الحديدة، ونشأ في بيئة غنية بالثقافة والمعرفة، حيث تميز بشغفه في مجال الصحافة.

كانت بداياته مليئة بالإنجازات التي ساهمت في التعرف عليه كصحفي موهوب يمتلك أسلوب فريد وجذاب في إجراء تحقيقاته. أسهم في عدة صحف معروفة، وكان له دور فعال في تناول القضايا المجتمعية المهمة.

تفاصيل اختطاف محمد الجنيد

تحدث الجنيد عن كيفية اختطافه عندما كان يقوم بتغطية أحداث محلية تتعلق بالصراع في المنطقة. حضر عناصر الحوثي إلى منزله، وقاموا باعتقاله دون أي مبرر قانوني واضح. خلال فترة احتجازه، واجه أنواعاً متعددة من التعذيب الجسدي والنفسي، مما أثر بشكل كبير على صحته الجسدية والعاطفية.

يقول الجنيد أن قبل اعتقاله تحدث إليه ابنه أركان قائلاً: “بابا، رأيتك في المنام بالأمس في الحبس.”

ويضف: قمت بمداعبة رأس ابني وقلت له: “إن شاء الله يكون خير. وبعد دقائق، بدأت أفكر في ما قاله ابني أركان في تلك اللحظة، قررت أن أمحو كل ما يتعلق بجهاز الكمبيوتر المحمول الخاص بي، بما في ذلك التقارير الصحفية التي نشرتها، وأي شيء له علاقة بعملي الصحفي وكتاباتي كما قمت أيضاً بحذف جميع الأسماء الموجودة في هاتفي المحمول”.

و يستمر الجنيد في حديثه بطريقة مأساوية، مستخدمًا أسلوبًا روائيًا وصحافيًا ، وحينما حانت ساعة الصفر، كانت العقارب تشير إلى الساعة الحادية عشر. فجأة، سمعت صوتًا يناديني: يا صحفي، يا بن الجنيد… اخرج من البيت، أنت محاصر. ودعت عائلتي وزوجتي، وكانت قلقة وسألتني: ماذا حدث؟ فأجبتها: لا تخافي، أنا معتقل. فسألتني: كيف؟ فأوضحت لها: لقد جاء الحوثيون لاعتقالي ثم سألتني: ماذا فعلت؟ فأجبتها: ليس الوقت مناسبًا للنقاش الآن، حافظي على الأطفال وعلى نفسك.

وأردف :أخبرتها بأن هذا الدفتر يحتوي على أسماء وأرقام جميع أصدقائي، حيث يحمل كل اسم إشارة توضح قيمة هذا الشخص وأهميته يجب أن تكوني حذرة، فأهمية هذا الدفتر كبيرة، فلا تفقديه كان ذلك مساء يوم الأربعاء، 13 نوفمبر 2018.

وتابع الجنيد :خرجت وكان في انتظاري أربعة أطقم عسكرية ابتسمت في وجه المشرف “أبو رعد”وقلت له: هل يقلقكم قلمي إلى هذا الحد، أيها الفئران؟ فرد مشكوراً: قلمك أقوى من قذيفة الدعاية، يا ابن الجنيد، فأنت تمتلك أقوى سلاح ثم انطلقت معهم في سيارة الفيتارا السوداء إلى قسم 7 يوليو.

وعلى سؤاله هل كان يتوقع أن تقوم ميليشيات الحوثي باختطافك في أي لحظة؟ يقول الجنيد : “نعم، كنت أتوقع ذلك منذ فترة طويلة، لكن تأخروا في ذلك منذ عام 2016 وهم يبحثون عني عندما كنت في الخوخة ودخل المشرف “أبو طالب” إلى منزلي في أبو زهر وأخذ كل كتبي وأشيائي من الأوراق”.

ويضيف: خرجت وكان في انتظاري أربعة أفراد من القوات العسكرية الحوثية . ابتسم أبو طالب وأخذني إلى منزلي في أبو زهر، حيث قام بأخذ جميع كتبي وأشيائي من أوراق ومجلات وصحف، بالإضافة إلى شهادتي ووثائقي الرسمية المتعلقة بملكية الأرض وغيرها من الوثائق الضرورية.

وفي يوم اختطافه يقول الجنيد، ان مليشيا الحوثي قامت بتغطية عينيه واخذته إلى المدافن وهي مدرسة أهلية، خلف الأمن السياسي في شارع الستين في مدينة الحديدة، وهناك وجد زملاءه، و 22 معتقلاً في حالة يرثى لها.

تعذيب نفسي وجسدي

يقول الصحفي الحرر الجنيد انه تعرض لشتى ألوان التعذيب الجسدي كغسله بالماء البارد وضربه بكيبل الكهرباء فى كل مناطق أجزاء جسده ثم وضعه في زنزانة انفرادية عام كامل ومن أشد أنواع التعذيب التى تعرض لها كلبشة يديه من الخلف بشال ووضعوا بين اليدين متكى – ثم يتم وضع حجر بلك فوقوك المتكى حتى ينكسر العمود الفقري ومن أنواع التعذيب الوقوف على رجل واحدة لمدة 3 ساعات.

واكد انه تعرض لتحقيقات مستمرة لمعرفة انتماءه السياسي، ومع من يعمل وكم يحفظ من القرآن الكريم ، وهل لديه تواصل بقيادات القوات المشتركة ومن هم ؟! ومن الذي دعمه وجنده للعمل ضد مليشيا الحوثي؟؟ ومن هم بقية الأعضاء الذين يعملون معه في عملية الرصد المليشيات، بحسب قوله.

واشار إلى أنه خضع للتحقيق في الحديدة لمدة ثلاثة أيام متتالية، تحت إشراف المحقق المدعو “أبو عمار القدمي” من محافظة حجة ولم يتم إجراء أي تحقيق معه في أماكن أخرى بخلاف الحديدة وقد استمرت فترة التحقيق حوالي خمس ساعات يوميًا.

أما بالنسبة للتهم التي وُجهت إليه فهي عديدة، حيث اتهموه كيدية مثل التعاون مع “العدوان” من خلال عملية الرصد، دون أن يتم تقديم أي دليل يدعم تلك الاتهامات و اتُهِمتهُ برصد تحركات محمد علي الحوثي في الحديدة، وبمراقبة الصيادين في ميناء الاصطياد بالحوك، بالإضافة إلى تتبع المشرفين في المحافظة وتقييم تحركاتهم العسكرية والتورط في اغتيال الصماد، على الرغم من انه كان يعمل كصحفي ويمارس دوره في توضيح الحقائق للرأي العام وقد وُجِّهت إليه اتهامات بأنه ساعد المنفذين في دخول قاعة الجامعة ومع ذلك، لم يجد أي تهمة تعكس طبيعة عمله الصحفي، على الرغم من أنه كان يكتب يوميًا ضدهم.

وعن حالة المعتقلين في سجون مليشيا الحوثي يؤكد الصحفي المحرر الجنيد أن ظروفهم كانت مأساوية للغاية حيث تعرض بعضهم للضرب باستخدام كابل كهربائي، مما أدى إلى سلخ جلودهم كما عانى آخر من حرق لحيته، وقال أن حالات التعذيب كانت مؤلمة بشكل لا يوصف و من بين الضحايا، أعرف الأستاذ ربيع الجيلاني، الذي عاش تجربة تعذيب قاسية لمدة عام كامل، حيث لم تتوقف التحقيقات معه خلال تلك الفترة.

وبالنسبة للغداء والماء، اوضح الجنيد انه كان يشهر بمرارة الجوع والعطش، وقال: كنت أسعى لترويض نفسي على فكرة أن هذا الاعتقال هو ثمن يدفعه الأحرار الذين يرفضون العبودية لأي شخص يسعى لاستعباد الإنسانية.

وعند توضيحه للمقارنة بين المعاملات داخل سجون المليشيات الحوثية في الحديدة وصنعاء. أكد الجنيد أنه خلال فترة وجودهم في صنعاء، تم نقلهم فقط بموجب اتفاقية ستوكهولم الخاصة بتبادل الأسرى، وأيضاً بسبب الازدحام الناتج عن الضغوط، حيث لم تكن هناك أماكن شاغرة بعد الهجوم الذي تعرض له السجن.

وتابع قضيت عاما كاملا في سجن الأمن السياسي بصنعاء في زنزانة انفرادية، وبعد ذلك انتقلت إلى الجناح الغربي من السجن واستمرت فترة بقائي في الأمن السياسي بصنعاء لأربع سنوات.و بعد تلك الفترة انتقلت إلى سجن شملان، حيث قضيت شهرين، ثم عدت مرة أخرى إلى الأمن السياسي عام 2021، وتم نقلي إلى إصلاحية شملان، التي تميزت بتحسن الظروف نوعا ما.

زنازين الأمن والمخابرات في صنعاء

في الزنزانة، كانت حالتي مؤلمة ومأساوية نتيجة اعتقالي بتهم كيدية مفبركة ولكن، استجابة لصوت الضمير الذي بداخلي، بدأت أدون ما تسعفني به الذاكرة من ذكرياتي في الزنزانة الانفرادية رقم 3 حيث كنت محصورًا و كانت هناك تسع زنازين أخرى، وكانت بداية تعارفي مع السجناء من نصيب محمد بن محمد الحكم من أبناء عبس، الذي كان يعمل في بيع البترول والديزل. بالإضافة إليه، كان هناك محمد قاسم محمدي عمران، المتهم بتهريب العملة الوطنية.

واشار الجنيد إلى أن تلك تلك الأيام كانت مظلمة وكئيبة و التي عشتها، وأتذكر تمامًا تلك الليالي التي لم أستطع فيها الحصول على قسط من النوم. جلست مستيقظًا، تستعيد ذاكرتي كل اللحظات التي عايشتها بعيدًا عن الزائرين، وكأنني أشاهد فيلمًا وثائقيًا يجسد بطولة إنسان يسابق الزمن. كانت تلك الليلة من أصعب الليالي في حياتي، حيث استمرت ثلاث ليالٍ متواصلة لم تغمض فيها عيني لحظة واحدة. كنا نتسلل لاقتناص لحظات من الزمن وسط انشغال السجانين، ونتبادل الأحاديث في خفاء.

كيف كنت تقضي وقتك في السجن، وما هي الذكريات التي لا تزال عالقة في ذهنك؟

كلما سنحت الفرصة بذلك كان كل واحد يبوح بشجاعة عن تفاصيل التهم وعن سبب سجنه ، ضاقت بي الدنيا وشعرت بروحي تكاد أن تخرج من أحشائي من وحشة وبؤس الزنزانة الاتفرادية – فتعرفت على أحد السجناء ويدعى ماجد العنسي في الزنزانة رقم “11” أمامي يواسيني ويشد من ازري ويصبرني ويقول لى اصبر يا صحفي وما صبرك إلا بالله عاد المراحل طوال سألتة كم لك هنا ؟ فأجابني لي ثمانية أشهر صدمت من جوابه ولكن تذكرت قصث للاوائل أحرار سبتمبر المجيدة الذين دفعوا ضريبة الحرية فكلما شعرت بضيق أخرج رأسي من شاقوص الزنزانة الانفرادية وأناديه استاذ ماجد كيف حالك ما أخبارك؟ فيرد لي تمام الحمد لله تشتي ياقلبي عصير جبن ارد عليه : لا أنا ضيق تعبت يقول لي :استغفر أقر القرآن الكريم وقم للصلاة انت هنا في محنة وابتلاء ساقنا سوء حظنا إلى هنا.

هل يمكنك تذكر أسماء أي أشخاص تعرضوا لتعذيب أسفر عن وفاتهم؟

نعم، هناك أشخاص تعرضوا للتعذيب حتى فارقوا الحياة. على سبيل المثال:

-العميد الركن عبد المجيد عبد الحميد عَلومي من صنعاء القديمة، الذي توفي نتيجة التعذيب بالصعق الكهربائي ونتف أظافر يديه وأطراف قدميه.

– الخادم الزهري من أبناء الخوخة، حيث تعرض للتعذيب حتى أصيب بانزلاق في الحوض، مما اضطره لاستخدام كرسي متحرك. وقد توفي بعد أسبوعين من خروجه، حيث كان مفرجًا عنه بضمانة تجارية، في مصر.

– عبد الله البدوي: تعرض للإصابة بضرب مبرح وتم نقله إلى المستشفى حيث أجريت له عملية جراحية. بعد مرور شهرين، تم الإفراج عنه، ولكنه توفي في منزله نتيجة التعذيب الذي تعرض له، وهو ما شاهدته بنفسي.

– محمد عوض الوصابي: تعرض أيضًا للضرب والتعذيب، ولا يزال يعاني من الألم، وهو محتجز في صنعاء بعد الإفراج عنه.

بالنسبة لي تعرضت للتعذيب، وأجريت لي عملية جراحية في المستشفى الألماني السعودي بتاريخ 20 أكتوبر 2021. حيث تم استئصال ثلثين من القولون وجزء من الأمعاء، وتركت لي كمية من المواد داخل بطني، مما أسفر عن إصابتي بالتسمم والسرطان، مما قد يؤدي إلى وفاتي كان رئيس الأسرى عبد القادر المرتضى قد قال: أيامك شهور، وأضاف يا ابن الجنيد لن تصل إلى الساحل الغربي مما تسبب لي في إفرازات سوائل في بطني، وكنت غير قادر على المشي لكن الحمد لله أجريت العملية وتحسنت صحتي وعادت إلي العافية.

*كونك تعرضت للسجن في فترة النظام السابق وفترة انقلاب مليشيا الحوثي الإرهابية – ما هو الشيء الذي جذب انتباهك في هاتين الفترتين ؟

في فترة نظام الدولة. . أيام الرئيس الشهيد علي عبدالله صالح رحمه الله تغشاه – رغم وجود أخطاء وسلبيات إلا أنها كانت هناك انجازات ملموسة والوضع كان أفضل حالاً .

وتابع في عهد النظام السابق كان هناك مساحة حرية الرأي والرأى الآخر كنت اكتب بصحافة المعارضة ضد النظام بصحف بارزة لها حضورها القوى كأمثال اخبار اليوم – الشموع – الوسط -الثوري – الوحدوي – الايام – حديث المدينة – الشارع وهناك صحف آخرى البلاغ – الرأي العام – الوحدة – حشد المنتصف – الجمهور – البلاد – اليمن اليوم – الطريق – المصدر ” وغيرها من الصحف التي كنت أنشر فيها الصور والوثائق عن الفساد.

وقد دخلت 45 مرات نيابة الصحافة والمطبوعات بسبب كتاباتي.. وقد تم اعتقالي فى سجون حيس – الزيدية – بيت الفقيه – لساعات واحيانا يوم كامل.

– نظراً لكونك صحفياً بارزاً في عصر الصحافة الورقية، ابن مدينة تاريخية ذات أهمية خاصة، ومعروف بعزيمتك وقدرتك على تجنب الأضواء، فقد مررت بتجارب صعبة، بما في ذلك فترات سجن خلال فترات الأنظمة والنظم القانونية وتحت وطأة المليشيات التي أثقلت كاهل الشعب اليمني. ما هو الشيء الذي جذب انتباهك في هاتين الفترتين؟

النظام السابق كان على نحو أفضل، ومهما كتبت عنه، يبقى رمزًا مشرقًا للزمن الجميل. في ظل وجود مليشيات الحوثي الكهنوتية، التي لا تؤمن بالتعايش مع الآخر ولا تتقبل العلم والفكر النير، نجد أن الظلم والظلام يسودان.

أما بالنسبة لتجربتي في السجن، فلا أملك الكثير لأضيفه في هذه الأثناء أركز حاليًا على كتابة روايتي داخل السجن بأسلوب روائي وصحافي يؤلم القلب، وقد أطلقت عليها اسم “زمن الغبار.” وسأشارك بعض التفاصيل المؤلمة من تجربتي الحياتية.

يمكن وصف مليشيات الحوثي بأنها عصابة تشبه المافيا، تم إنشاؤها لتنفيذ مهام معينة بتوجيهات من الماسونية. ويبدو أنها ترتبط بعلاقات وثيقة مع إسرائيل وأمريكا، كما لاحظت خلال فترة تدريبي في معهد بوست الأمريكي في بيروت.

رسالة للشرعية

في ختام اللقاء وجه الصحفي المحرر محمد الجنبيد رسالة إلى قيادات الشرعية في الساحل الغربي، مؤكدًا على ضرورة استيعاب الأسرى المعتقلين الذين قضوا سنوات خلف القضبان. و إن أقل ما يمكن تقديمه لهؤلاء الأفراد من أجل وطنهم هو منحهم فرص عمل تتيح لهم توفير وسائل العيش الكريم لأسرهم. وذلك تقديرًا لدورهم وتضحياتهم، ينبغي إيلاء المزيد من الاهتمام لهم وتوفير الرعاية اللازمة والسكن المناسب والرواتب، بدلاً من تركهم في حالة من البطالة والتهميش.