مقالات

صفقة غزة من منظور يمني

يمكن قراءة تحولات المنطقة اليوم ضمن أربعة أحداث مؤسسة: الطوفان الفلسطيني تشرين الأول(أكتوبر) 2023 العاصفة اللبنانية أيلول(سبتمبر)2024، الزلزال السوري كانون الأول (ديسمبر )2024، الإعصار الترامبي كانون الثاني(يناير) 2025.

وخلال مرحلة ما بعد الطوفان، كان محور المقاومة يعيش حالة من النشوة، لقد أكد قدرته على نقل المعركة إلى الداخل الإسرائيلي وأثبت قدرته على التحول من عقيدة الدفاع الأمامي إلى عمليات الهجوم في العمق عبر وحدة الساحات.

والأهم من هذا كله، أثبت المحور أنه سيد المضائق في المنطقة (هرمز ، باب المندب ، قناة السويس). وهنا كان الصعود الحوثي محورياً باعتباره بات شريكاً لحزب الله في الأهمية الجيوسياسية وفي التراتبية المليشيوية، ولم يعد مصنفاً كوكيل درجة ثانية أو ذراعاً قيد الإنشاء.

في لحظة ما بدا أن إطالة الحرب هو مصلحة إيرانية، وإن كانت على حساب البشر والحجر في غزة. فمن خلالها سوف تؤكد إيران هيمنتها، وسوف تستنزف أكثر الوجود الغربي والموارد الإسرائيلية.

وضمن هذا المنظور، تسلق الحوثي دون حساب سلم التصعيد، وبلغ ذلك ذروته في 15 أيلول (سبتمبر) مع إعلام وصول الصواريخ “الفرط صوتية” إلى العمق الإسرائيلي.

لقد أسفر هذا الصعود عن تغير دور الحوثي كلاعب إقليمي/غير دولتي ، لكنه خلق مناخاً دولياً معادياً له ، وقد وفر ذلك للحكومة الشرعية اليمنية فائضاً من الوقت وهامشاً من المناورة لتحسين موقفها الاستراتيجي.

لكن للأسف على مدار عام لم تراهن الشرعية اليمنية على معالجة نقاط ضعفها بقدر ما راهنت على إمكانية استغلال نقاط قوة الخارج. ولهذا تحولت الكثير من رهانات المعسكر المناهض للحوثي إلى أوهام.

أما جماعة الحوثي وبعد عاصفة لبنان وزلزال سوريا، فقد بدأت تعيد التفكير في إمكانية النزول عن الشجرة، خصوصاً مع مخاطر الإعصار الترامبي. وهذا الأمر ما كان ليتحقق لولا وجود شرطين: انعطافة إيرانية للتهدئة في الإقليم كي يوقف الحرس الثوري عملياته النوعية من اليمن، وقرار إسرائيلي لوقف الحرب في غزة كي يوقف الحوثي عملياته الرمزية ضد الملاحة وإسرائيل.

حالياً يبدو أن الشرط الأول قد تحقق إيرانياً، لذا فقد شهدنا زيارة هي الأولى منذ عامين للمبعوث الأممي لليمن إلى معقل الحوثيين في صنعاء، وذلك قبيل توجهه المباشر إلى طهران، وبالتوازي فقد أمكن التقاط بعض الإشارات الإيرانية لقابلية تمرير التفاهمات المؤلمة في لبنان والعراق… ويبدو أننا صرنا على مقربة أيضاً من تحقيق الشرط الثاني.

بهذه الطريقة سوف يعيد الحوثي فتح الباب أمام خارطة الطريق السعودية، وسوف يراهن على تثمير فائض القوة الذي اكتسبه إقليمياً من خلال امتيازات أكبر محلياً في مشهد يشبه كثيراً ما قام به حزب الله في لبنان بعد 2006.

لكن في المقابل فإن قيام الحوثي بتجاوز كل المحرمات الدولية، قد يجعل العالم أكثر حرصاً على وقف نموه وتقويض قدرته كي لا يكرر ما فعله مرة أخرى.

في الحالتين يظل مستقبل الحوثي في اليمن عقب هدنة غزة مرهوناً بطبيعة الموقف الترامبي حيال إيران، وبديناميكية التحرك الوطني في معسكر الشرعية اليمنية. وقد أثبتت التجربة أن لا جدوى من انتظار معجزة خارجية دون تحولات سياسية داخلية، وأن لا قدرة على معركة عسكرية كبرى دون نضوج اللحظة الخارجية.

في الحالتين تحتاج الشرعية للتماسك تحسباً لفائض القوة الحوثي في حال التهدئة، و استعداداً لفرصة الحسم الخارجي في حال عدنا إلى سياسة الضغط الأقصى.

ورغم التداعيات الاستراتجية المحتملة على اليمن، يظل من الجدير أن نبارك ونفرح لأي وقف إطلاق نار يبرم في غزة، والمهم الآن وقف آلة الإجرام الإسرائلية في فلسطين، مع التحسب لآلة الإجرام الحوثية في اليمن والتي تجلت أولى ملامحها موخراً في محافظة البيضاء وسط اليمن، حيث قام الحوثي بالتنكيل بالمواطنين وهدم البيوت على رؤسهم في ممارسات لا تختلف كثيراً عن سلوك الاحتلال الإسرائيلي في غزة.

– نشر أولا في النهار