مقالات

النهب باسم الفعاليات الدينية والسياسية

في الوقت الذي تمتنع فيه جماعة الحوثي عن تسليم مرتبات الموظفين في المؤسسات الحكومية، وتُكثِّف جهودها لجباية الأموال والدعم من السكان الموجودين في المناطق الخاضعة لسيطرتها، تعمل على تنظيم العديد من الفعاليات والندوات والأنشطة السياسية والدينية لكن على نفقة المواطنين ومن أموال الدولة والتي يجب أن تستخدم في تقديم الخدمات لعامة الناس والمرتبات للموظفين.

تتجاهل جماعة الحوثي معاناة السكان الناتجة عن ممارساتها المدمرة للاقتصاد، وتحملهم أعباء إضافية من بينها فرض رسوم ومساهمات من المواطنين والتجار فضلًا عن إيرادات الدولة المنهوبة لدعم فعاليات دينية وسياسية أغلبها خاصة بها هي كجماعة عِرْقية، ومن أبرز هذه الفعاليات التالي:

1ذكرى الهجرة النبوية1 محرم

2ذكرى استشهاد الحسين رضي الله عنه (عاشوراء)10 محرم

3ذكرى استشهاد زيد بن علي25 محرم

4قدوم يحيى الرَسِّي إلى اليمن6 صفر

5المولد النبوي الشريف12 ربيع أول

6الذكرى السنوية للشهيد 13 – 19 جماد أول

7مولد ابنة الرسول عليه الصلاء والسلام فاطمة الزهراء رضي الله عنها20 جماد ثاني

8جمعة رجب أول جمعة من شهر رجب

9ذكرى مقتل حسين الحوثي مؤسس الجماعة27 رجب

10ذكرى غزوة بدر الكبرى19 رمضان

11ذكرى استشهاد الخليفة علي بن أبي رضي الله عنه21 رمضان

12يوم القدس العالمي آخر جمعة من رمضان

13ذكرى الصرخة آخر جمعة من شوال

14ذكرى اقتحامهم العاصمة صنعاء 21 سبتمبر

15ذكرى يوم الولاية (الغدير)18 ذي الحجة

16يوم الصمود26 مارس

17ذكرى استشهاد القيادي في تنظيم الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني3 يناير

أغلب هذه الفعاليات والمفاهيم التي يتم تكريسها في هذه المناسبات استوردتها من إيران ودخيلة على اليمنيين، وتُسْهِم في اذكاء الخلاف الطائفي والمناطقي وتشعل شرارات العنف في أوساط المجتمع اليمني.

ولعل “ذكرى المولد النبوي الشريف” تُعتبَر أبرز فعالية يستثمرها الحوثيون ويحولونها لموسم للجباية ونهب الأموال والترويج لنظرية الاصطفاء العِرْقي وحشد المقاتلين إلى الجبهات مستغلين حب اليمنيين للنبي عليه الصلاة والسلام.

كان كثير من اليمنيين يحتفلون بالمناسبة عَبْرَ إقامة مجالس الذِّكر في المساجد وأحيانًا المنازل، في أجواء روحانية تُذكِّرهم بعظمة النبي وأخلاقه وإنسانيته، بعيدًا عن السياسة، وأسوة بالاحتفالات التي تُقام في العديد من الدول العربية والإسلامية، حيث يتم توزيع الحلوى والهدايا للأطفال بما يساعد على تعزيز ونشر قيم التعايش والمَحبَّة. وبعد مجيء الحوثيين، جاءت معهم الشعائر والطقوس والمفاهيم الإيرانية الدخيلة على اليمنيين، وعملت على تضخيم وتوسيع الاحتفاء بالمناسبة، ليس تقديرًا واحترامًا للرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، لكنَّ الجماعة سخَّرت كُلَّ تفاصيل هذه الفعالية لنهب الأموال، وتمجيد وتقديس وتأليه السلالة التي ينتمي إليها زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، تحت مزاعم أنَّ الأخير هو ومن معه يمتد نسبهم إلى بيت النبوة، وهو ما تسبَّب في حدوث هذه الحرب التي بدأت في العام 2004م.

ويمكن تلخيص أهداف الحوثيين من التركيز على الفعاليات الطائفية بشكل عام، والمبالغة في الاحتفاء بذكرى المولد النبوي الشريف بشكل خاص لكونها الفعالية الأبرز والتي يتم تحويلها إلى موسم للنهب، بما يلي:

-نهب أكبر قَدْر مُمْكِن من الأموال من المواطنين والتجار لصالح القيادات والمشرفين في الجماعة الذين يتعاملون مع هذه المناسبات كموسم خصيب يدر الأموال والعطايا.

– مصدر دخل لكثير من العناصر المتحوِّثة ( ). فمن خلال العمل في الترتيبات لهذه الفعاليات، يحصل المُتحوِّثون على جزء من الأموال التي يتم جبايتها من المواطنين والتجار أو تخصيصها من المؤسسات الحكومية، وبالتالي تتحوَّل هذه الفعاليات وسيلة لضمان بقاء كثير من أنصارهم تابعين لهم، بعد الحصول على احتياجاتهم مع مناسباتهم الطائفية والسلالية.

-سلب أكبر قَدْر مُمْكِن من مُدَّخرات المواطنين بما يساعد على إبقائهم في حالة فاقة وفقر واحتياج، وهو ما يضمن انقياد كثير من الفقراء لهُم، ويساعد على نشر فكرهم العنصري بين الناس مقابل سد الرمق.

-تعبئة الناس عاطفيًّا لإقناعهم بالمشاركة في الحرب والذهاب للجبهات، بعد تصوير ذلك جزءًا من الدِّين، وتكليف من الرسول عليه الصلاة والسلام لليمنيين.

-أداة قياس مُستمِرَّة لولاء الناس لهُم، فالحضور والمشاركة عبارة عن تجديد للولاء والطاعة، ومَن يمتنع عن تقديم الدعم لهذه الفعاليات أو يرفض الحضور والمشاركة، يتم تصنيفه كعدو.

-تضليل المجتمع الدولي من خلال استعراض الحشود التي في غالبيتهم لا يخرجون إيمانًا بمعتقدات الحوثي، وإنَّما حرصًا على مصالحهم واحتياجاتهم التي يسيطر عليها الحوثي.

-التعبئة ضد كُلّ المخالفين للجماعة، وإبقاء أنصارها في حالة دائمة من الكراهية ضد معتنقي المعتقدات السياسية والدينية الأخرى في الداخل والخارج.

-الترويج ونشر مفاهيمها ومعتقداتها الطائفية والسياسية في الأوساط المجتمعية، مقابل تحجيم الاحتفال بالمناسبات الوطنية المعروفة في اليمن وهي ذكرى ثورتي 26 سبتمبر، و14 أكتوبر.

-الغاية الأهم من احتفالية الحوثيين بالمولد النبوي، هو تقديس زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي وتقديمه على أنَّهُ وريث النبي عليه الصلاة والسلام، ويقوم بمقامة كونه ينتسب إلى ذُرِّيته كما يدَّعون، فمَن يُطِع عبد الملك من اليمنيين فقد أطاع الله ورسوله ودخل الجنة، ومَن عارضه فقد كفر واستحق التنكيل والتجويع والتهجير والسجن في الدنيا والعذاب في الآخرة.

-فَرْض هوية جديدة قائمة على تمجيد وتقديس سُلالة ومعتقدات وافدة من خارج اليمن، وإلغاء هوية اليمنيين وإرثهم التاريخي والحضاري المعروف.

ما يهمُّنا هُنا، هو تسليط الضوء على نهب الأموال والتسبُّب في معاناة اليمنيين، فالحوثيون يقيمون فعاليات بين الوقت والآخر قائمة على الابتزاز وجباية الأموال من الناس والتجار الصغار والكبار، أو تبديد أموال المؤسسات الحكومية على حساب المرتبات والخدمات التي يُفترَض تقديمها للمواطنين.

ينفق الحوثيون على فعالياتهم مبالغ مالية كبيرة، في وقت يمُر اليمن بأسوأ مراحله الاقتصادية والمعيشية، وبحسب منظمات دولية يعاني أكثر من ثلثي السكان من مجاعة وفقر ويعيشون بلا خدمات صحية أو تعليمية.

يُجبرون كُلَّ وزارة ومُؤسَّسة والفروع التابعة لها في المحافظات إضافة للمدارس والجامعات بعمل فعاليات واسعة احتفالًا بمناسباتهم الطائفية/ السلالية، وكُلُّ جهة تنفق الملايين مقابل الأطعمة واللافتات والملصقات والشعارات والأقمشة التي ترفع صور عبد الملك وحسين ووالدهما بدر الدين الحوثي، وعبارات من ملازمهم وخطاباتهم، ليس لها علاقة بالشخصيات التي يتم الاحتفال باسمها.

في كُلِّ مناسبة، يتم طباعة أعداد هائلة من المطبوعات الطائفية واللافتات الدعائية العنصرية، ونشرها في شوارع المدن والقرى النائية والمؤسسات، وكذا توزيع عدد كبير من الأعلام والأقمشة الخضراء التي يتخذها الحوثيون كلون خاص بهم، ومقابل ذلك تُصرف مليارات الريالات في كُلِّ مَرَّة. وما إن تنتهي فعالية حتى يبدأ الترتيب لفعالية جديدة، وكُلُّ فعالية تحتاج إلى ذات الملايين التي تتم سرقتها من أفواه الجياع والفقراء في اليمن، لكي ترفع بها صور قيادات الحوثي وصور قادة الحرس الثوري الإيراني وشعاراتهم الطائفية، فضلًا عن تكاليف الفعاليات والندوات في عموم المناطق الخاضعة لسيطرتهم.

وتتنوَّع أساليب جباية الأموال من المواطنين والتجار، لكن تبقى وسيلة الترهيب والتهديد بالحرمان من الاحتياجات الأساسية والتنكيل بالأهالي من أبرزها:

قبيل الفعاليات الحوثية الكبيرة، تبدأ عناصر الجماعة بمخاطبة الشركات والمستشفيات والمدارس الخاصة والبنوك ومحال الصرافة ومنظمات المجتمع المدني والمحال التجارية سواء الصغيرة أو الكبيرة أو المتوسطة وباعة الأرصفة، بدفع أموال لدعم الفعالية، ومن ثم دفع أموال لدعم القوافل التي ستُقدَّم إلى الجبهات باسم هذه الفعالية. زِدْ على ذلك، إلزامها بطلاء أبواب المحلات والمؤسسات بنوعية مُخصَّصة من الطلاء الأخضر، وتغيير الإنارة لتكون خضراء، وتعليق الأقمشة الخضراء. ومَن يتأخر عن ذلك، غالبا يتعرَّض لمضايقات من قبيل حرمانه من أسطوانة الغاز التي تُباع عَبْرَ عاقل الحي الذي يسكن فيه. أمَّا صاحب المحل التجاري الذي يتأخر عن تقديم الدعم أو طلاء واجهة محلة أو تعليق الأقمشة الخضراء، فتتم مضايقته بعد انتهاء الفعالية عبر مكاتب الضرائب والواجبات والصحة وغيرها من وسائل الضغط والابتزاز بحسب العديد من الشهادات التي نُشرت في تقارير صحفية خلال السنوات الماضية.

وتُوزِّع الجماعة ظروف وقسائم تحمل شعارات المناسبة، بحيث يتم تقديم الدعم من المال فيه. ولا يتوقف الدعم فقط على الأموال، بل يتم استغلال هذه المناسبات لا سِيَّما المولد النبوي لجمع الأغذية بمختلف أنواعها، وبكميات هائلة، فضلًا عن المواشي والعسل اليمني والأثاث وغيره، باسم دعم المقاتلين الحوثيين، في حين أنَّ أغلبها يذهب لصالح القيادات والمشرفين الحوثيين بحسب عضو المجلس السياسي الحوثي محمد المقالح، الذي قال: “أكبر فساد يذهب باسم المجهود الحربي، ورَبِّ محمد لا يذهب للمجهود الحربي سوى 30% من تلك المبالغ الهائلة تزيد أو تنقص قليلًا” ( )  وفي مناسبة أخرى قال: “مليارات المليارات أخذها الولي باسم المجهود الحربي، ولم يصل للمجهود الحربي سوى 20% بل أقل”( ). يتم كُلُّ هذا في الوقت الذي تؤكد فيه المنظمات الدولية بأنَّ الأزمة الإنسانية في اليمن هي الأسوأ في العالم( ).