اليمن

جماعة الحوثي أدوات للموت ووسيلة مؤسسية لنهب المال العام

جاء تصميم جماعة الحوثي الإرهابية كما أراد لها المصمم العسكري قاسم سليماني أن تكون أداة طيعة لسفك الدم اليمني الذي يجلب لإيران الهيمنة على جنوب الجزيرة وممرات الملاحة في أهم مضايق العالم. حسبما يرصد الباحثون في شؤون الجماعات الطائفية الإيرانية.

ويقول الباحثون إن اهتمام الجماعة الحوثية يتركز في جعل الحرب أسلوب حياة يومي ولذلك سعت وتسعى لبناء أوعية ومؤسسات تخدم استراتيجية المليشيا لخوض حروب بلا نهاية، وهذا ما يفسر تركيز الجماعة في الأعوام الثلاثة الماضية على صقل وتنظيم وسائل الجباية ومنافذها تحت مسميات عدة.

وأوضح الباحثون أن أهم الهيئات المالية التي تعتمد عليها المليشيات الحوثية في إدامة وجودها وحربها على الشعب اليمني هي هيئة الزكاة، الأوقاف، الواجب المقدس، الشؤون الإنسانية والإغاثية، هيئة الشهداء، وغيرها من الهيئات والواجهات التي تواظب عليها الجماعة لامتصاص المال العام من جيوب اليمنيين للاستمرار في حروبها، ولإدارة مجتمع يعيش على النفقات والصدقات وما تتركه المليشيا من فتات للشعب ليبقى أسيراً بيدها توجهه إلى الموت، متى شاءت، خاصة وقد استأثرت لسلالتها ومشروعها المذهبي كل تلك المقدرات.

 

مؤسسة أسر الشهداء

في هذا الشأن أشار الباحثون إلى أن الجماعة الحوثية أنشأت واجهة حكومية لرعاية أسر قتلاهم، كلافتة لجباية الأموال وتوفير مصادر تمويل لتغطية فاتورة خسائرها البشرية وضمان بقاء أسر الضحايا وأطفالهم داخل الجماعة وتحشيدهم في مشروعها الطائفي.

وهذه المؤسسة هي وسيلة لإحلال قتلى حروبها السابقة واللاحقة في هياكل ومؤسسات الدولة الواقعة تحت سطوتها، وتسكين عناصرها وأنصارها في كشوفات الجيش والأمن وموظفي القطاع العام وقاعدة بيانات المناضلين، واستكمال إحكام سيطرتها على الهيئات والمؤسسات الحكومية والاستحواذ على الصناديق العامة والأموال الخاصة بأسر الشهداء ومناضلي الثورة اليمنية والجرحى والأسرى ومعاقي الحرب.

وكانت مؤسسة “الهيئة العامة لرعاية أسر الشهداء” الحوثية قد صدرت بموجب قانون عبر مجلس النواب الخاضع لسيطرتها، بموجب مقترح جلال الرويشان، الذي ينتحل صفة نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع والأمن الذي أصبح منخرطا مع المشروع الإيراني في اليمن والذي شغل منصب رئيس جهاز الأمن السياسي منذ احتلال الجماعة للعاصمة صنعاء في سبتمبر من العام 2014 م .

وعينت الميليشيا القيادي، طه احمد أحسن جران، رئيسا للهيئة الجديدة، بقرار غير معلن ولم يتم الإفصاح عن أسماء بقية القيادات الذين تم تعيينهم في الهيئة. وأصدرت الميليشيا من خلال هذه الهيئة عدة قرارات تضمنت إنشاء صندوق جديد للهيئة الوليدة وفرض رسوم على الجهات والمؤسسات العامة والخاصة والشركات التجارية وعلى عموم المجتمع لهذا الصندوق، طبقا للمصادر المطلعة.

وأكدت المصادر أن نسب الجبايات لهذا الصندوق المالي الأسود شملت -نسبة ١% على كل علبة سجائر محلية ونسبة ٢% على كل علبة سجائر مستوردة و٥% ضريبة على القات؛ تضاف إلى الضريبة الحالية المفروضة. ومن هذا البند ستجني الجماعة مبالغ طائلة إذ أنها حالياً تجني ما يزيد عن 15مليار ريال، فضلا عن نسبة ١% من ايرادات الاتصالات على كل فاتورة اتصالات بجميع أنواعها ثابت جوال دولي انترنت وكروت الدفع المسبق، وبهذا الإجراء تكون الجماعة قد وطنت هذه المؤسسة الطائفية ضمن الهيكل المالي الحكومي وبشكل دائم ومفروض.

وطبقا للمصادر فإن تقديرات إجمالي الإيرادات المعلنة لشركات الهاتف النقال (يمن موبايل، سبأفون، ام تي إن)، للعام 2018، نجد أن الجماعة جنت مبلغ خمسة مليون و417 ألف دولار سنويا. هذا المبلغ فقط لصندوق القتلى، وقبل إنشاء شركات الاتصالات الجديدة.

وأكدت المصادر أن هذه الأموال المفروضة على الجهات والشركات، سيتحملها المواطن وستقوم الشركات بإضافتها على فواتير السلع والخدمات، فضلا ما يتم جبايته للمجهود الحربي، القوة الصاروخية، الجرحى، صندوق المعاقين، صندوق الشباب، هيئة الزكاة، صندوق المعلمين، وغيرها.

 

مصادر شفط المال العام لدى الحوثيين

لتحقيق الجماعة الحوثية أهدافها بالسيطرة على المال العام بنت  الجماعة واجهات متعددة لإدارة وتمويل ملف الضحايا البشرية وتوفير أوعية وهمية وحكومية شكلية لتبييض الأموال وعوائد النهب والسلب والتستر على الدعم والتدفقات المالية الإيرانية ورسملة أنشطة ومشاريع الجماعة, ومن ضمنها مؤسسة الشهيد “والشهداء “والتي انشأتها منذ تمرد الجماعة على الدولة في محافظة صعدة عام 2004 م. والتي أصدر زعيمها عبدالملك الحوثي، عام 2011، قراراً بإنشاء “مؤسسة الشهيد” تم تسميتها لاحقا “مؤسسة الشهداء لرعاية وتأهيل أسر الشهداء”، كواجهة تنظيمية، مهمتها الاهتمام بأسر قتلى الجماعة ومواجهة آثار حروب صعدة، ليتم تأطير هذه المهمة في الهيكل الداخلي للجماعة كإدارة مختصة ضمن دوائر ما يسمى المكتب التنفيذي للجماعة، الذي يتبع مكتب زعيمها ويعتبر هو الجهاز التعبوي المعني بتعبئة الجماهير وتأطير المجتمع فكريا وثقافيا وتربويا. ولكون الجماعة تنظر لذوي الضحايا كألغام وليس كأيتام. تجلب أطفال وذوي الضحايا إلى المقابر لتلقينهم صرخة الموت، وتعبئتهم فكريا وفق منهج “سنقدم الشهيد تلو الشهيد” وقفا للباحثين.

وأكدوا أن هذا النشاط تعطيه الجماعة أهمية استراتيجية وتنفق عليه أموالا مهولة تكاد توازي إنفاقها العسكري، لتمويل فاتورة خسائرها البشرية، وضمان تنشئة وإعداد مخزون استراتيجي لحروبها الدائمة وتوفير المدد لمشروع التمدد الذي يسعى لفرض هيمنة الإمامة السلالية على اليمن وهيمنة (الولاية الخمينية) على المنطقة وعلى مكة والمدينة وصولا إلى القدس، كما تشير أدبيات الجماعة وخطابات رموزها.

وأشار الباحثون إلى أن حجم إنفاق هذه المؤسسة خلال العام الماضي 2021 بلغ 18 مليار ريال، منها اثنين مليار لما يسمى الذكرى السنوية للشهيد والأنشطة المصاحبة لها، ومليار للرعاية التربوية، و400 مليون للأنشطة المرتبطة بالروضات “المقابر” والمشاريع الفنية، والروضات، التي تعد تقليدا إيرانيا مثل بقية التقاليد الخمينية التي جلبها الحوثيون وأنشأت الجماعة خلال السنوات الأخيرة مئات منها في مناطق سيطرتها.

تجدر الإشارة إلى أن عدنان قفلة، ترأس المؤسسة حتى ما قبل مطلع 2016، وهو مسؤول العلاقات الخارجية للمكتب التنفيذي للجماعة، كما عينته الجماعة قنصلاً في السفارة الحوثية في إيران، ويتولى مسؤولية التواصل مع المؤسسات الإيرانية، ولذلك فهو يعد أحد قنوات تدفق الدعم الإيراني للحوثيين ظهر ضمن مجموعة من الأشخاص يبكون على نعش حسن ايرلو في طهران بحضور وزير الخارجية الإيراني وتم تعيين طه أحمد أحسن جران، نجل جران الأب، مديرا تنفيذيا للمؤسسة الذي تولى رئاستها لاحقا.

 

هيئة الواجب المقدس

لاحظ الباحثون أن هيئة الواجب المقدس التي انشأتها الجماعة في العام 2018 بشكل غير معلن قد خصصتها الجماعة الحوثية لرعاية مقاتليها، وبحيث تكون بمثابة حصالة لجلب الموارد من القطاعات العامة وغطاء للتستر على نشاط مؤسسة الشهداء التي اتسع نفوذها، لتتمكن من الهيمنة على اختصاصات وزارتي الدفاع والمالية الحوثية ومصادرة مهام الجهات ذات العلاقة، وتصبح الجهة المشرفة على ملف الضحايا، ومخولة بتلقي البلاغات والتعليمات من مراكز القيادة والسيطرة في الجبهات القتالية وبدأت في جمع قاعدة البيانات وتنفيذ المسوحات الميدانية.

وهي التي تقوم بإعلان صرف نصف المرتبات والمعونات الشهرية للضحايا، لتستمر الجهات الحكومية ذات العلاقة في التلاشي والإفلاس، ويستمر الخلط والتداخل بين المؤسسة والهيئة والجهات الأخرى.

 

هيئات الزكاة والأوقاف

وختاما بالاعتماد على المصادر فقد أوكلت الجماعة الملف المجتمعي والانساني للقيادي احمد حامد، خلال الفترة الأخيرة، ليتصاعد نفوذ الرجل واحتكاره للتدفقات المالية المخصصة لهذا الملف وتحكمه بخطوط الدعم الانساني والمساعدات الخارجية.

وأنشأت الجماعة الهيئة العامة للزكاة، مايو2018، يرأسها القيادي شمسان أبو نشطان، والهيئة العامة للأوقاف، يناير2021، يرأسها عبدالمجيد عبدالرحمن الحوثي، وهيئات أخرى مماثلة، كالهيئة المعلن عنها حديثاً “الهيئة العامة لرعاية أسر الشهداء”، وجميعها تتبع لمكتب الرئاسة وتحت إدارة حامد، حيث أرادت الجماعة أن تبقى تلك الهيئات وتدفقاتها المالية بيده بعيداً عن الأطر الحكومية التابعة لها.

تجدر الاشارة إلى أن الجماعة الحوثية تحتكر كل شيء مالي في مناطق سيطرتها لسلالتها وتعتبر ذلك حقا إلهيا ممنوحا لها بموجب النصوص القرآنية التي تفسرها وفقا لهواها الطائفي والعصبوي لتشكل هذه الجماعة في مناطق احتلالها أسوأ نظام فرز سلالي ومذهبي عرفته الإنسانية .