السفن التجارية في مرمى النيران الحوثية.. وخيارات الرد الدولية
تستخدم مليشيا الحوثي مجموعة واسعة من الأسلحة والتكتيكات الإيرانية للإخلال بالأمن البحري الإقليمي، وفرض حظر بحري انتقائي ضد السفن التجارية في باب المندب وتهديد السفن الحربية التي تظهر لحمايتها
يقول فرزين نديمي، وهو زميل أقدم في معهد واشنطن، في مقالة نشرها موقع المعهد: “نظراً للعلاقات الوثيقة التي تربط الحوثيين في اليمن بالنظام الإيراني، وعدائهم التقليدي للولايات المتحدة وإسرائيل والمملكة العربية السعودية، فليس من المستغرب أن يحفل تاريخهم بتهديد حرية الملاحة عبر مضيق باب المندب. فبإرسال السفن المرتبطة بإسرائيل في مسارات مكلفة حول أفريقيا خلال الأسابيع القليلة الماضية، تمكن الحوثيون من ممارسة نفوذ غير متناسب على الحسابات الأمنية في البحر الأحمر من خلال استخدامهم مجموعة من أنظمة الأسلحة الإيرانية والمحلية الصنع”.
قدرات عسكرية
وإذ يعرض نديمي عمليات الحوثيين خلال الحرب بين حماس وإسرائيل منذ 10 أكتوبر، أي بعد ثلاثة أيام فقط من اندلاع حرب غزة، يقول إن العديد من المراقبين يتوقع أن تتدخل إيران قريباً لتحسين عمليات الاستهداف التي يقوم بها الحوثيون، “سواء من خلال تبادل المعلومات الاستخبارية في الوقت المناسب أو من خلال تعديل أنظمة الملاحة الصاروخية الخاصة بالحركة. وقد تزوّدهم طهران أيضاً النسخة الانتحارية للطائرة المسيرة ’شاهد-136‘ التي تم تطويرها مؤخراً برأس باحث كهروضوئي”.
بحسبه، يبدو أن إيران ساعدت الحوثيين على توسيع مدى وصولها في البحر الأحمر، ويسيطر الحوثيون على محافظة الحديدة التي تشمل معظم ساحل اليمن على البحر الأحمر وموانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى، التي تتعامل مع 70 في المئة من واردات البلاد والمساعدات الخارجية. وفي الماضي، أبقى الجيش الإيراني على سفينة الأسلحة والتجسس “سافيز” شمال باب المندب مباشرةً، لكنها تعرضت لأضرار بالغة في أبريل 2021 بسبب ضربة بطائرة إسرائيلية مسيّرة أو ضربة صاروخية. منذ ذلك الحين، عززت البحرية الإيرانية تواجدها في المنطقة بحجة مكافحة القرصنة وجمع المعلومات الاستخباراتية في المنطقة.
منذ عام 2015، زاد الحوثيون إلى حدٍ كبيرٍ من قدراتهم على منع دخول المنطقة من خلال قيام إيران بتزويدهم بمعظم هذه القدرات، “فقد حصلوا على منظومات أسلحة كاملة أو لوازم أسلحة لتجميعها في اليمن، وفي حالاتٍ أخرى، قدّمت إيران الخبرة التكنولوجية والمعدات إما لتعديل أسلحة الحوثيين الموجودة أو إنتاج تصميمات إيرانية محلياً باستخدام مكونات وتجميعات مهربة. ونتيجة لذلك، بإمكان الحوثيين تعطيل حرية الملاحة بشكل انتقائي حول مضيق باب المندب باستخدامهم مجموعة من القدرات والتكتيكات التي تم استخدام بعضها في الهجمات الأخيرة”، كما يقول نديمي، على سبيل المثال: الألغام الملتصقة، وعمليات الصعود على متن السفن والاستيلاء عليها باستخدام القوارب الصغيرة و/أو المروحيات
هجمات الطوربيدات المأهولة أو الموجهة عن بُعد بواسطة غواصين مدربين تدريباً خاصاً، إطلاق صواريخ قصيرة المدى من الزوارق السريعة، والطائرات الهجومية المسيّرة الاحادية الاتجاهٍ مثل “شهاب” و”قاصف” و”ويد”، صواريخ “كروز” التي يصل مداها من 80 إلى 300 كيلومتر، من بينها صواريخ “صياد” و”سجيل”، والصواريخ الباليستية المضادة للسفن.
صواريخ مزيفة
في عام 2022، زعم الحوثيون أنهم يملكون صاروخاً باليستياً مضاداً للسفن يُدعى “تنكيل” يصل مداه إلى 500 كيلومتر، ويشبه إلى حدٍ كبيرٍ صاروخ “رعد 500” الإيراني. غير أن النماذج المعروضة في العرض العسكري الذي أقيم في 21 سبتمبر 2023 في صنعاء بدت وكأنها مجسمّات بالحجم الطبيعي. وتبيّن أن صاروخ “حاطم” الباليستي الجديد (المشابه لصاروخ “خيبر شكن” الإيراني، والذي يبلغ مداه المزعوم 1450 كيلومتراً) هو أيضاً مجسّم بالحجم الطبيعي.
بِغَضّ النظر عن الصواريخ المزيفة، يقول نديمي: “الحد الأقصى الحالي لمدى وصول صواريخ الحوثيين المضادة للسفن يبلغ 300 كيلومتر إذا أُطلِقت من أراضيهم. ويعني ذلك أن أي سفينة تقترب من مضيق باب المندب قادمة من خليج عدن يمكن أن تتعرض للتهديد بصاروخ يتم إطلاقه من أقصى شمال البلاد وداخلها مثل ذمار، في حين يمكن استهداف أي سفينة تَستخدم ممر العبور الأمني البحري بأسلحة يتم التحكم بها من صنعاء”. يضيف: “تُمثّل الطائرات المسيّرة الهجومية الأحادية الاتجاه تهديداً أبعد مدى، وإن كان يسبب قدراً أقل من الدمار. أما الطراز الحوثي الوحيد المعروف الذي يمكنه استهداف سفينة متحركة، فهو طائرة ’شهاب‘ المجهزة برأسٍ باحثٍ للتوجيه الطرفي الكهربائي البصري (في ضوء النهار فقط على ما يبدو) يتراوح مداها الأقصى بين 600 و1200 كيلومتر، بينما تحمل رأساً حربياً صغيراً نسبياً يبلغ وزنه نحو 40 كيلوغراماً”.
ما العمل؟
يوصي نديمي بالنظر في استهداف مواقع إطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة، ومواقع الرادار الساحلية، ومواقع تخزين الأسلحة ذات الصلة التابعة للحوثيين كرسالة للحركة مفادها أنه لن يتم التسامح مع أعمالهم الأخيرة، وإعادة تصنيف الحوثيين “منظمة إرهابية أجنبية”، وفرض المزيد من العقوبات الأميركية، والضغط على هيئات الأمم المتحدة ذات الصلة لإعلان أنشطة الحوثيين في المياه الدولية أعمالاً إرهابية بحرية.
كذلك يوصي بزيادة الدعم لمصلحة خفر السواحل اليمنية التي تديرها الحكومة المعترف بها دولياً، ووضع أصول الاستطلاع الاستراتيجية والتكتيكية الأميركية في موقعٍ أقرب من المنطقة لتحسين الوعي بشأن قدرات الحوثيين وأنشطتهم المتعلقة بالصواريخ والطائرات المسيّرة، إضافة إلى إنشاء فرقة عمل بحرية دولية ذات قيادة موحدة وصلاحيات موسعة لحماية حركة الشحن كافة في البحر الأحمر والمياه المحيطة، وتفويض هذا الكيان بالانخراط بقوة في العمل القتالي الدفاعي عند الضرورة، لردع إيران ووكلائها عن تنفيذ المزيد من الأنشطة المزعزِعة للاستقرار.
يرى نديمي ضرورة مراقبة القوات البحرية الإيرانية بحثاً عن أي علامة تشير إلى نشر المزيد من وحداتها السطحية وطائراتها المسيّرة البعيدة المدى في منطقة باب المندب، إلى جانب إقناع الجهات مثل “القوات البحرية المشتركة” و”التحالف الدولي لأمن وحماية حرية الملاحة البحرية” وذراعه المعني بالعمليات، أي “قوة التحالف المشتركة” (“سنتنل”)، بإنشاء قدرة شبكية للدفاع الجوي والصاروخي في البحر. يختم نديمي: “قد يشبه هذا الجهد إقدام القوات البحرية المشتركة في عام 2017 على إنشاء ممر العبور الأمني البحري، الذي يجمع بين أربعة ممرات شحن متواجدة ومعترف بها دولياً في المنطقة، ويمكّن الشركاء من تركيز تواجدهم البحري وجهود المراقبة بشكلٍ أفضل”.
المصدر: “معهد واشنطن”