اليمن

وثائقي: جرائم الإمامة في اليمن

تهامة 24 – الجمهورية

لم تمر اليمن بعصر من عصور الأئمة إلا وتعرضت لإذلال واستعباد وتدمير كامل وشامل لجميع مناحي الحياة، ولطالما عُرفت عصور الإمامة في اليمن بعصور الظلام والانحطاط.

منذ قرابة 1200 عام كانت أكبر كارثة عانت منها اليمن تمثلت بتسلط طائفة سلالية ادعت الحق الإلهي في الحكم، وكان الإقصاء والبطش والتنكيل هو الثابت الوحيد في تاريخ حكم هذه السلالة.

يعتقد البعض حين يسمع أو يقرأ عن جرائم الإمامة في اليمن أنها من قبيل مبالغة الكُتاب والمؤرخين ،لكن ومع عودة الإمامة المتمثلة في الحركة الحوثية ثبت للعالم أجمع صحة مانقله المؤرخون عن هذه السلالة.

رأس الشر

بدأت جرائم السلالة، بعد قدوم المؤسس لإمامة البطنين يحيى بن حسين الرسي الملقب بالإمام الهادي إلى اليمن ، و استقراره في مدينة صعدة وفرضه حكمه عام 284 هـ، حيث استطاع أن يجعل نظرية حصر الإمامة في البطنين نسل الحسن والحسين جُزءاََ من عقيدة الهادوية، وواجبا شرعاََ وواقعاََ فرضهُ على مخالفيه بحد السيف.

دخل الإمام الهادي في حروب ومعارك مع العديد من القبائل المعارضة لوجوده، راح ضحيتها الآلاف من البشر، وكان هذا الإمام يقطع أعناق الخارجين عليه ، ويهدم مزارعهم ومنازلهم ، واستعان بجنود من طبرستان ـ شمال إيران اليوم ـ في معظم حروبه ، وخلال أربعة عشر عاما مدة حكمه أحدث دمارا هائلا في كل ربوع البلاد ولم يسلم من شره أحد

الحال لم يختلف مع ابنه الإمام الناصر أحمد بن الهادي وخاض حروبا طاحنه لأجل تثبيت حكم السلالة حتى هلك عام 325 هـ ، ثم بدأ الجيل الثالث من عصر الأئمة الهادية في اليمن ، وبدأ مسلسل الصراع الداخلي والنزاع العائلي بين أولاد الإمام الناصر يحي وقاسم والحسن ، واشتعلت الحروب والصرعات العنيفة بين الإخوة ، وكان ضحيتها من عامة الشعب الذين لا ناقة لهم ولا جمل في حروب هؤلاء ، لكنهم أجبروا على خوضها لأجل نزوات أبناء السلالة ، ولم تنته تلك الحروب إلا بعد دمار صعدة على يد الحسن بن ناصر وأخيه المختار.

هولوكوست المُطَّرٍفِيَة

توالت الأيام والسنون على هذا النهج من الصراعات والحروب الدموية بين أبناء السلالة وأولاد عمومتهم المدعين للإمامة ، وكانت مدن اليمن وسكانها يدفعون ثمن تلك الصراعات دائما ، فقد دُمرت صنعاء وصعدة بمنازلها ومزارعها أكثر من عشر مرات خلال تلك الفترات ، لكن كل ما سبق سيكون مجرد رتوش خفيفة مقارنة بالقادم الأكثر عنفا حين جاء الإمام المنصور عبدالله بن حمزة عام 583 هـ ، وهو من نسل القاسم بن ابراهيم الرسي أخو الإمام الهادي، وكان صاحب طموح شديد وتطلع كبير للزعامة ، وذو بأس شديد وقسوة كالحديد، وتعصب عظيم لمذهبه وسلالته.

بحد السيف والنار، شق عبدالله بن حمزة طريقه، فعمد إلى حرب كبيرة من أجل إسقاط الخلافة العباسية، وإقامة دولة علوية زيدية تحكم العالم الإسلامي، كما خُيل له، لكن طموحه وبأسه وشدته لم ينصب إلا على الضعفاء من المخالفين لفكره ومذهبه وتعصبه السلالي.

دخل ابن حمزة في معارك وحروب مع المخالفين لدعوته ونظريته في حصر الإمامة في البطنين، فبدأ بالمُطَّرٍفِيَة وهم فرقة من فرق الزيدية الهادوية يتبعون الهادي بالأصول والفروع، إلا أنهم يخالفونه في شرط حصر الإمامة في البطنين، ويرون أن الإمامة تصلح في عموم الناس، ولا يعترفون بالنسب الفاطمي والعلوي.

ثارت هائجة السفاح الحمزي وجن جنونه، وقام بملاحقة المُطَّرٍفِيَة اينما وجدوا، وبدأ يبيدهم ويسحقهم بوحشية لم يشهد لها تاريخ اليمن مثيلاً، واستبد بقراهم ودمر مساكنهم وأحرق مزارعهم ودمر مساجدهم، وحاصرهم وطاردهم في صنعاء وذمار وعنس، وعزم على تطهير الأرض من رجسهم، كما قال، فأثخن القتل فيهم، وسفك دماء الأبرياء كباراً وصغاراً، واستحال أعراضهم وأموالهم.

تذكر بعض مراجع التاريخ بأنه قد قتل في صنعاء وحدها قرابة مائة الف من المُطَّرٍفِيَة خلال ثلاثة أيام فقط، وأحرق مساكن أهلها، وسبى نساءهم ووزعهن جوارِِ لجنوده، ثم أصدر حكمه الجائر ضدهم «بأن تقتل مقاتلتيهم، وتسبى ذراريهم ويقتلون بالغيلة والمجاهرة، ولا تقبل توبة أحد منهم»، ولم تنته حملة هذا السفاح المسعورة على اتباع المُطَّرٍفِيَة حتى أبادهم فرداً فرداً، وقضى على أفكارهم ومعتقداتهم المخالفة لعنصريته وجنونه الطائفي.

السفّاح المعتوه أصدر فتوى وحكماً ينص على قتل وإعدام كل من يدعي الإمامة خارج البطنين، ويسعى نحو الزعامة ويتطلع إلى السلطة والرئاسة وهو غير فاطمي علوي.

لاحقا قال بدر الدين الحوثي عن تلك المجزرة: «إن ما فعله الإمام عبدالله بن حمزة هو عين الصواب لأنه إمام حق وأن استنكار ذلك يقدح في إمام حق».

سبي اليمنيات

من أبشع ما ارتكبه أئمة البطنين على الإطلاق قيامهم بسبي النساء اليمنيات الحرائر وجعلهن جوار عند أتباع الأئمة.

و سبى يحيي بن حمزة أخو السفاح عبدالله بن حمزة سبعمائة امرأة من نساء صنعاء ووزعهن على جنوده في قاع طيسان سنة 612هـ.

ووصلت شهوة سبي النساء إلى البلاد الشافعية الجنوبية.

وذكر المؤرخون أن نساء عدن ولحج سُبيت في عهد الإمام المتوكل على الله اسماعيل بن القاسم المتوفى سنة 1087هـ.

التكفير بالإلزام

حين استقر الحكم للمتوكل اسماعيل بن القاسم الذي جمع بين المُلك والإمامة حرص على نشر فقه الهادوية.

و أوحى إليه تعصبه لمذهبه بالقول بالتكفير بالإلزام، أي تكفير كل من يخالفه ، وترتب على هذا الحكم أن أصبح اليمن الأسفل بلاد كفر يحق له أن يستبيحها رغم أن أهلها لم يظهروا أي كفر، سوى سيطرة الأتراك عليهم أنذاك، وهي ذات النظرة والحكم الذي يطلقه الإماميون الجدد الحوثيون اليوم على مخالفيهم تحت مسميات «داعش» و«القاعدة» وغيرها، وعلى أساسها استباحوا مناطق اليمن الأسفل والجنوب وأشعلوا الحرب في عموم اليمن.

صاحب المواهب

ومن صور الخراب والتدمير لدى الأئمة ما قام به الإمام المهدي صاحب المواهب أثناء الثورة عليه التي اقتلعت حكمه، حينما ثار الإمام المنصور حسين بن القاسم بن المؤيد على الإمام المهدي صاحب المواهب في سنة 1127هـ

تروي كتب التاريخ إنه “ضاق الأمر على صاحب المواهب حتى لم يبق تحت يده إلا بعض تهامة والبنادر (الموانئ) ومن ذمار إلى اليمن الأسفل، فإذا به يلجأ إلى النوبة ويطلب السودان (العبيد والعمال) من كل بندر ويلبسهم الطرابيش الحمر والجوخ الأحمر (الميري) فاجتمع منهم خلق لا يُحصى كثرةََ وألزمهم بوضع السيف من باب شبام إلى أطراف الشام بجهات صعدة. وكانت الجيوش لا تمر بقرية أو مدينة إلا خربتها وأتت على ما فيها حتى ودع البلاد أهلوها وارتحلوا عن اليمن يطلبون النجاة، وإذا حاصروا مدينة غلت الأسعار وانقطعت الميرة (التموين) وعز الحطب فيضطرون إلى خراب البيوت وإيقاد أخشابها وأبوابها».

ووصف الشوكاني، صاحب المواهب بالقول:
“وكان صاحب المواهب لا يرعى للقرابة حرمة ولا يعرف أمام أطماعه أباً أو إبناً ولا أخاً ولا صديقاً، كما كان غداراً لا يقيم وزناً لعهد ولا يرعى حرمة لميثاق، يداهم قبائل المشرق ليلاً (البيضاء)حتى إذا أصبح الصباح عاد بالرؤوس محمولة والأسرى مغلولة والأسلاب مسوقة.

عنف وتصفية

وفي عام 1251 هـ بدأ عصر الفوضى والانهيار وأخذت ممالك الإمامية تصعد وتسقط والحروب تشتعل في كل بقاع اليمن بين أبناء السلالة المتناحرين على الإمامة ، حتى جاء المنصور محمد بن يحيى حميد الدين عام 1307 هـ الذي استطاع أن ينفخ الروح في الإمامة وإطالة عمرها مع ولده يحيى وبنفس نهج العنف والتكفير للمخالفين الذي انتهجه أسلافه السابقون حكم مملكته.

بعده جاء ابنه يحيى ليحكم سنة 1322هـ/ 1904م ، وبدأ عصره بالتخلص من الشخصيات الكبيرة التي وقفت ضد اختياره إماماً، فبدأ بمعلميه ومشايخه، ودخل في حروب دموية ومواجهات عسكرية مع المعترضين لإمامته.

بعدها استفرد بالحكم وعمد إلى استئصال معارضيه وحتى الداعمين له من مشائخ القبائل خوفا منهم، وعاشت اليمن ما تبقى من عهده في إنغلاق تام وجهل وظلم بينما كانت دول الجوار تشهد تقدماً في مختلف المجالات، حتى اندلعت ماعرفت بثورة الدستور عام 1948م وقتل الإمام يحيى على إثرها.

وجاء ابنه أحمد الذي استطاع بذكائه وحنكته الالتفاف على ثوار 48 وفتك بهم، وبعد حروب دامية استطاع أن ينتزع الحكم من عبدالله بن أحمد الوزير الذي كان قد أعلن نفسه إماماً بعد مقتل الإمام يحيى.

القتل بالسم

بعد حرب الزرانيق التي استمرت عامين انتصر عليهم أحمد يحيى حميد الدين واستباح لجنوده كل شيء يخطر ببالك في ديارهم. نهب الأموال ثم جمعها في بيت الفقيه واستباح النساء، وجمع من سلم من القتل أسرى يساقون في سلاسل الحديد واختار 800 من أعيانهم واقتادهم إلى سجن حجة، وهناك أراد أن يعمل فيهم السيف بساحات المدينة دفعة واحدة، ولكن احد مستشاريه خوّفه من أبيه؛ إذ كان الإمام يحيى لا يحب أن يقتل خصومه جهرة أبداً، بل كان يلجأ إلى الاغتيال بالسم والوقيعة، فوكل أحمد بزعماء الزرانيق من يتعهدهم بالسم، فلم يمض عام حتى أجهز على ثمانمائة مقاتل، لم يبق منهم إلا الشيخ سالم درويش الذي التقى بثوار 48 في سجن حجة وكان يروي لهم ما صنعه الطاغية بالرجال وبعد حرب صُليل من بلاد الزيدية في تهامة ساق ألفاً وثلاثمائة مقاتل وكان مصيرهم كمصير الزرانيق.

شهوة القتل والتشفي في نفس الرجل كانت تدفعه إلى التجرد من كل مظاهر الإنسانية، فإذا أراد الفتك بإنسان تحت يده مد له في الأمل حتى يتوقع العفو ثم يفاجئهُ بتوقيع عقابه فيه.

إمامة أحمد حميد الدين الذي لم يتورع في سفك الدماء وتجهيل العامة والبطش والتنكيل بالشعب اليمني كانت الفصل الأخير من قرون الإمامة في اليمن، حيث اندلعت ثورة 26 سبتمبر عام 1962م التي قضت على دولة الإمامة، وأُعلنت على إثرها الجمهورية العربية اليمنية حينها.

الإماميون الجدد

في عصرنا الراهن يواصل الحوثيون النهج الإجرامي لأجدادهم بسفك دماء اليمنيين، ونهب أموالهم، ونسف مساجدهم، وتدمير منازلهم، وتخريب اقتصادهم، وإفساد مقومات حياتهم.

 

شاهد الفلم الوثائقي من قناة الجمهورية