رحلة مجلي الصمدي: بين القمع والحرية المفقودة
كانت هناك أحاديث تتردد في الأوساط الإعلامية اليمنية حول المجازر المتكررة ضد حرية الصحافة، وبرزت قصة الصحفي مجلي الصمدي كأحد أبرز هذه القصص. بدأ الصمدي مسيرته المهنية مديرا ومالكًا لإذاعة “صوت اليمن”، لكن مع تنامي قمع الحوثيين في صنعاء، بدأ معاناة جديدة في مسيرته. قوبل بتهديدات عديدة، وكانت أولى الهجمات بإيقاف بث إذاعته بسبب تهم مختلفة مما أدى إلى اقتحام مقر الإذاعة والاعتداء عليه جسديًا.
انطلقت حملة قمع الصحفي الصمدي من مليشيات الحوثي، حيث كانت تهدف إلى إسكات الأصوات الحرة وتصفية المواقف المعارضة. وبعد اعتداء جماعي تعرض له وإيقاف بث الإذاعة، أصبح الصمدي مضطراً للفرار بحثًا عن الأمان. تلك الأحداث كانت بداية لصراع مرير مع القمع، تركت آثارها في ذهنه وقلوب العاملين معه. تعرض الصمدي لاهتزاز نفسي جراء تلك الحادثة، مما جعله يدرك أن العودة إلى عمله قد تكون شبه مستحيلة.
أحداث اقتحام إذاعة صوت اليمن وما تلاها
بعد اقتحام مبنى إذاعة “صوت اليمن”، تحولت هذه المحطة الإعلامية إلى مجرد ذكريات مؤلمة للصمدي. تعرض العديد من الموظفين للضرب والطرد، مما أدى إلى إغلاق الإذاعة بشكل كامل. هذا التصرف لم يكن مجرد اعتداء على الممتلكات، بل كان دليلاً على نجاح الحوثيين في ترسيخ سياسة التخويف المباشر تجاه الصحفيين. كانت تلك الجريمة نقطة فاصلة لم يكن بالإمكان تجاهلها في سياق الانتهاكات المتزايدة لحقوق الإنسان في اليمن.
بعد الهجوم، اتخذ الصمدي قرار الهروب إلى الخارج بحثاً عن الأمان. لم تكن هذه الرحلة سهلة، حيث مر بتجارب مرعبة مليئة بالخوف والقلق من الاعتقال أو القتل. لكن بمجرد أن وصل إلى الخارج، أدرك أن الحرية التي كان يبحث عنها ليست كما تخيلها. عاش حياة قاسية بعيدة عن وطنه، والحنين إلى العودة كان يجذبه طوال الوقت.
بعد فترة من الغياب، قرر الصمدي العودة إلى تعز مدفوعاً بالأمل في استعادة بث إذاعته كصوت معارض للحوثيين. كانت تعز مرجوة لها أن تكون نقطة انطلاق جديدة، مع أن المدينة تحت سيطرة مؤسسات عسكرية وأمنية موالية للإخوان، لكن تلك العودة كانت مفعمة بتحديات جديدة، خاصة بعد أن وجد نفسه في وسط صراعات مختلفة وصراعات على السلطة. في تلك اللحظات، استعاد الصحفي شغفه بالإعلام وأمل في إعادة إطلاق إذاعته.
الاعتقال في سجون الإخوان في تعز
على الرغم من الآمال التي كان يحملها، تعرض الصحفي مجلي الصمدي للاعتقال بعد أسابيع من وصوله إلى تعز. قُبض عليه بتهم غامضة تتعلق “بالتحقيق وإجراءات أمنية” ما جعل عائلته تعيش في حالة من القلق والخوف عليه، خاصة بعد أن كان قد ذاق مرارة الاعتداءات الحوثية..
ووفقا لمصادر مطلعة، حاولت دوريات أمنية للإخوان اعتقال الصحفي الصمدي من منزله وسط مدينة تعز قبل أن تعود لإرسال مندوب من قبلها لإحضاره إلى مبنى إدارة أمن تعز للتحقيق معه.
وأوضحت المصادر أن الصمدي استجاب من فوره وقدم إلى الإدارة، الأحد الماضي، لتوضيح أي التباس بشأن وجوده في تعز غير أن الإخوان قاموا باعتقاله وإيداعه سجن الأمن بلا مسوغ قانوني في انتهاك جديد يوازي انتهاكات الحوثي.
وكان الصمدي قد كشف قبل اعتقاله أنه تعرض لثلاثة انتهاكات جديدة من قبل السلطات الموالية للإخوان في تعز وكان آخرها حملة أمنية أرادت اعتقاله والتحقيق معه في أحد أقسام الشرطة قبل أن يتم رفع الحملة بجهود من أصدقائه، مشيرا إلى أن أحد المشاركين في الحملة سبق وشاهده في مدرسة أهلية أراد تسجيل فيه بناته.
وأعرب الصمدي في منشور له على حسابه في فيسبوك اطلعت عليه “العين الإخبارية” عن تعبه من الإجراءات التي يفرضها الإخوان في مدينة تعز بما في ذلك استئجار السكن او الالتحاق بالمدارس وكل تفاصيل المعيشة، وقال “تعبت جدا جدا وسوف أغادر”.
وكتب الصمدي منشورا آخر “لا تكسروناش رجاء” أي لا تقهرونا، في إشارة للسلطات الموالية للإخوان لعدم قمعه مجددا، كما حث رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي بالتدخل بشكوى عن “تعبه ووجعه”.
مطالبات بالتحقيق
ونددت نقابة الصحفيين اليمنيين، الثلاثاء، باعتقال الصحفي مجلي الصمدي في مدينة تعز وطالبت بسرعة إطلاق سراحه والتحقيق في واقعة اعتقاله من قبل السلطات الموالية للإخوان لتكف عن ممارسة التعسفات.
وقالت النقابة في بيان إنها “تلقت بلاغا من زملاء الصحفي مجلي الصمدي يفيدون باحتجازه في سجن أمن تعز منذ صباح أمس الأحد دون معرفة الأسباب”.
وفيما أدانت “نقابة الصحفيين اليمنيين هذا التعسف الذي لحق بالزميل الصمدي بعد مغادرته صنعاء بسبب القمع والانتهاكات المتكررة بحقه وإيقاف إذاعته ومصادرة أجهزتها من قبل جماعة الحوثي” حملت السلطات الأمنية الموالية للإخوان في مدينة تعز كامل المسؤولية عن هذه الإجراءات التعسفية.
وطالب البيان محافظ تعز نبيل شمسان والحكومة المعترف بها دوليا بـ”التحقيق في الواقعة وسرعة إطلاق سراح الزميل مجلي, وتوفير الحماية له ولأسرته”، وأكدت ضرورة توفير بيئة آمنة للصحفيين وللعمل الصحفي.