مقالات

فتح الحصار ام تفجير الحرب: كيف ساهم الحوثي في انجاح خطط نتنياهو؟

قبل ان يعلن الحوثيون عن استئناف عملياتهم في البحر الاحمر، شهدت المنطقة – خلال شهر مارس الجاري- جملة من المتغيرات السياسية الهامة:

– حماس تتفاوض لأول مرة مع واشنطن بشكل مباشر، والمبعوث الامريكي الى الشرق الاوسط يرتب جولة تفاوض جديدة في الدوحة.

– ترامب ينفي نيته تهجير سكان غزة، و واشنطن تنفتح على المبادرة العربية لاعادة الاعمار بالتزامن مع تأييد صيني اوروبي لمخرجات القمة العربية الطارئة في القاهرة.

– نتنياهو يعاني داخليا امام القضاء و يتصارع مع المعارضة السياسية و الدولة العميقة ، ويغرق بالخلافات مع حلفائه المتطرفين.

– خامنئي يتلقى رسالة رسمية من ترامب تدعوه للتفاوض. ثم يتلقى عراقجي رسالة اخرى سلمت عبر الوسيط الاماراتي ، والخارجية الايرانية تعلن عن جولة تفاوض مع المجموعة الاوربية.

لقد كانت تفاعلات المنطقة تتجه نحو استعادة توازنها النسبي، و تميل الى تفعيل المسارات الديبلوماسية بدلا عن سياسيات القوة. ولم ينغص هذا الاتجاه سوى مناورة نتنياهو اليائسة بفرض الحصار على غزة.

و كان ثمة خياران للتعامل مع هذه المناورة: اما الصبر الاستراتيجي وارغام الاسرائيلي على المكوث في مسار المفاوضات (اي التكيف مع ضغوط نتنياهو التكتيكية في مقابل احباط اهدافه الاستراتيجية) ، او الانخراط في دورة تصعيد غير متكافئ وبالتالي الوقوع في فخ الحرب.

قرر الحوثيون المسارعة الى الخيار الثاني، حتى قبل ان تبادر اليه حماس صاحبة الشأن. فما الذي الت اليه الامور؟

واشنطن تحارب في اليمن بضراوة غير مسبوقة وتحشد قوتها العسكرية في عموم المنطقة ، و اسرائيل تنتهز الفرصة لتعاود بعد ايام معدودة حربها في قطاع غزة ، والعرب يخسرون الزخم الدولي و الاسلامي الذي جرى حشده لأجل خطة اعادة الاعمار.

اما ايران فتتبرأ من التصعيد في اليمن وتتخلى عن سردية وحدة الساحات ، و تترقب بخوف حدوث اي  ضربة عسكرية مباشرة وتكتفي بالتأكيد على انها ستكون صاحبة الضربة الثانية.

والخلاصة الماثلة امامنا اليوم هو ان الحوثي ، و مع كل دورة تصعيد “ايمانية” ؛ انما يساهم في عسكرة المنطقة بما يصب اكثر في صالح امريكا ، وبما يضعف الموقف الفلسطيني و يشوش على الجهود العربية، بل انه وبصوره عكسية كان يقوض ايضا قدرة الردع الايراني.

ويظل المستفيد الاكبر من تصعيد الحوثي هو بنيامين نتنياهو الذي زودته “جبهة الاسناد” بما يحتاجه من ذرائع سياسية كي يهرب من الضغوط المحلية والدولية الممارسة عليه، وهيئت له المناخ الاقليمي الملتهب كي يستأنف وعده بتغيير توازنات الشرق الاوسط.

تقتضي الواقعية السياسية ان يبادر الطرف الاضعف في الصراع الى شراء الوقت وتخفيف الاضرار ، و ان يقدم التنازلات المعقولة والمبادرات الذكية لحرمان خصمه من فرص التصعيد ، طالما تعذر عليه امتلاك القوة العسكرية الكافية للردع.

هذا المبدأ طبقة الحوثيون بانتهازية في ستوكهولم حينما كانوا على شفى الهزيمة، ولن يخجلوا من تطبيقه مستقبلا لو تقدمت قوات الشرعية مجددا الى قلب الحديدة و عادت الى تخوم صنعاء.. لكنهم يستكثروه اليوم على غزة رغم انها على شفى الابادة.

وستكون المصيبة اعظم لو اعتقد الحوثيون فعلا بان مشاغباتهم العسكرية في البحر الاحمر سوف تكون مجدية لفك الحصار عن غزة ، او انها سوف تمثل ضمانة مستقبلية لعدم تجدد الحرب. رغم ان هذا الكلام قد اثبت فشله عمليا منذ نوفمبر ٢٠٢٣.

وبالأخير فان ما اوقف الحرب في غرة كان ضغط ترامب على تل ابيب ، وما افشل مشروع التهجير كان الضغط العربي على واشنطن وتل ابيب .اما عمليات المحور الايراني فلم تضف اي جديد سوى توسيع رقعة الصراع دونما مردود استراتيجي.

و للأسف الشديد فان  تجربة عام ونصف من الموت والدمار لا تبدو كافية حتى الان كي يستوعب “الممانعون” بان منطق الجماعات المليشياوية الطائفية وما تقوم به من عمليات تكتيكية مارقة ،  لا يمكن له ابدا ان يخلق معادلة ردع استراتيجي ضد كيان توسعي متفوق  تسليحيا ومعلوماتيا وتقنيا ، و مسيج بدعم غير محدود من اقوى دولة في العالم.

مقالات ذات صلة