مقالات

ليلة ماتت فاطمة

محمد جميح

تنازل الرئيس السابق علي عبدالله صالح عن السلطة، فقررتْ مغادرة صنعاء.

اتصلتْ بي وقالت: بعد أيام سأكون في لندن.

قلت لها: يا مجنونة، لا تغادري اليمن…صنعاء أجمل من لندن، صدقيني.

قالت: بعد “الزعيم”، لن أظل في هذه المدينة…

كانت نوعاً من الناس يحب “الزعيم” دون مقابل…

عرفتها في صنعاء… وقدمتها في أمسية شعرية شاركها فيها الشاعر الكبير عبدالله معجب.

كانت أمسية رائعة في مقر النادي الأدبي اليمني في شارع الجامعة، ذات ليلة من عام 1999.

كانت نوعاً من الناس تعيش الشعر: قصيدةً وحياة…بوهيمية عجيبة…غضب لا يعرف الحدود…نقاء ينتمي لعصور صافية قديمة…

وعنفوان قومي قادها إلى لقاء الرئيس العراقي صدام حسين في بغداد التي زارتها للتضامن مع العراق قبيل عاصفة الصحراء…

كان فيها براءة طفل بدوي، وعناد امرأة جبلية… وكانت موسوعة ثقافية فريدة، وهي التي لم تتح لها فرصة الدراسة.

وكانت تكتب اللغة الكلاسيكية الفخمة، وتتمرد على قيود اللغة البلاستيكية.. وكان فيها “قبْيَلة” فريدة، وكانت متمردة على تقاليد القبيلة…

وأخيراً جاءت لندن، ولقيتها…وحكت لي عن صنعاء والمظاهرات وانعدام الأمن، وكان صوتها متهدجاً، وهي تحكي…
ولما جاءت على ذكر تنحي الرئيس صالح بكت…

وقالت: كان “أبونا وأخونا ضعنا بعده…”

وحكت لي عن رحلتها إلى بغداد، ولقائها بالرئيس الراحل صدام حسين.. الذي بكت مرة أخرى وهي تتذكر كيف احتفى بها وبالوفد اليمني معها…

وواصلت رحلتها إلى برمنجهام التي قضت فيها سنوات… وكانت تتصل بي بين الحين والآخر لأترجم لها عبر الهاتف بعض متطلبات مواعيد مستشفى أو إسكان…

ويوم 4 ديسمبر 2017 اتصلت تبكي مرة أخرى، وتقول: قتلوه، قتلوه، قتلوا علي عبدالله صالح، وانهارت في بكاء طويل…ومرت السنوات، واتصلتْ – مرة أخرى – اتصالاً غريباً… كانت تضحك هذه المرة ضحكة لم أفهما، قبل أن تقول: فيني سرطان..

صدمني الخبر، وظننتها تمزح، إذ يحدث أحياناً ألا نفرق بين جَدِّها وهزلها… لكن الخبر كان صحيحاً وموجعاً، وكانت هي تسخر من المرض، وتتعالى عليه…

وبعد صراع طويل مع السرطان لقيت فاطمة وجه الله ليلة البارحة… بعيداً عن صنعاء وبغداد اللتين تحتلهما المليشيات التي قتلت صدام حسين وعلي عبدالله صالح…

رحلت التي كانت تدندن:

قلبي وقع في الحب خمس مرات
مرة اكتسر.. ومرتين سلامات
والرابعه فيها دفعت خيرات
والخامسة جيت اسعفه وقد مات

رحم الله فاطمة العشبي فقيدة اليمن والقصيدة والحب الكبير…

– مركز نشوان الحميري بالفيسبوك